فصل: قال الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الغزنوي:

سورة البينة:
1 {مُنْفَكِّينَ}: منتهين عن الشّرك.
3 {قَيِّمَةٌ}: قائمة على سنن الحق.
6 {الْبَرِيَّةِ}: (فعيلة) من (برأ اللّه الخلق)، أو من (البرى) وهو التراب أو من بريت القلم: قدّرت قطعه. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة البينة:
عدد 14- 100 و98.
نزلت بالمدينة بعد سورة الطّلاق.
وهي ثمان آيات وأربع وتسعون كلمة.
وثلاثمائة وتسعة وتسعون حرفا.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
وتسمى سورة: {لم يكن}.
ولا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت به ولا بما ختمت فيه.
ومثلها في عدد الآي الانشراح والتين والزلزلة والتكاثر.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ} فعل مضارع من كان التي ترفع الاسم وتنصب الخبر ومعناه الدّوام والاستمرار بمعنى لا يزال لأنه من طائفة مازال وما فتئ وما دام اللاتي تلازم النّفي أي لا يزال {الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ} أي ليسوا من اليهود القائلين بالبداء وأن عزيرا ابن اللّه، ولا النصارى القائلين إن اللّه هو المسيح أو المسيح ابن اللّه أو ثالث ثلاثة منفكين عن كفرهم هذا {وَ} من {الْمُشْرِكِينَ} أناس لم يكونوا أيضا {مُنْفَكِّينَ} عن شركهم وكلمة {منفكين} هذه واقعة خبر ليكن واسمها الّذين المارة بصدد الْآيَةَ أي غير تاركين ولا زائلين عنه، بل لم يبرح الأولون ملازمين على الكفر بذلك والآخرون على عبادة الأوثان وإنكار البعث {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} (1) الواضحة على إبطال معتقدهم ذلك، وهذه البينة {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم: {يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً} (2) عما يلوكه كفرة أهل الكتابين والمشركون {فِيها} في هذه الصّحف المقدسة {كُتُبٌ} مكتوبات {قَيِّمَةٌ} (3) عادلة مستقيمة ناطقة بالحق، وإنما سمي عليه السلام بيّنة هنا لإتيانه بالقرآن العظيم الذي هو أبين من جميع الكتب والصّحف السّماوية، وقد أوضح وأبان ما فيها وأراد بالصحف القرآن العظيم لأنه مسطور عند اللّه على صحف جليلة في لوحه المكنون العالي، وأراد بالكتب كتب الأنبياء عليهم الصّلاة والسلام، لأن معناها كله مندرج في القرآن الكريم لاشتماله على معنى جميع ما أنزله على الرسل قبله، فصارت كأنها فيه، قال تعالى: {إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الأولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى} الآية الأخيرة من سورة الأعلى ويأتي لفظ كتب بمعنى مكتوبات أي أحكام عظيمات قاسطة مدونة فيها.
قال تعالى: {وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ} أي ما كان اختلاف اليهود والنّصارى وتفرق آرائهم في أمر محمد عليه الصّلاة والسلام ورسالته وكتابه {إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} (4) في كتبهم وظهر لهم ظهور نار على علم وتوضح لديهم أنه نبي آخر الزمان الموصوف في كتبهم والذي أخذ عليهم العهد بالإيمان به من قبل أنبيائهم، وكانوا قبل ظهوره مجمعين على تصديقه حتى إنهم يستنصرون به كما مر في الآية 90 من سورة البقرة ويستسقون باسمه ويقولون لا ننفك على ما نحن عليه من الدّين ولا نترك شيئا منه حتى يبعث النبي الموعود به على لسان الرّسل المكتوب منه في التوراة والإنجيل، فلما بعث صلى الله عليه وسلم تفرقت كلمتهم واختلفوا عليه، فمنهم من آمن به بتوفيق اللّه إياه، ومنهم من كفر به بخذلانه له، وكذلك المشركون لتوغلهم في حب الدّنيا وزخارفها وحرصهم على بقاء الرّياسة لهم فيها، وصار الأمر على العكس بأن كان تفرقهم وبقاؤهم على ما هم عليه واختلافهم بمجيء الرّسول الذي كانوا ينتظرونه.
ونظير قولهم هذا قول الفاسق الفقير لمن يعطيه لا أنفك عما أنا فيه من الأفعال القبيحة حتى يرزقني اللّه الغني فإذا أغناه ازداد فسقا فيقول واعظه لم تكن منفكا عن الفسق حتى توصر وما غمست رأسك بالفسق إلّا بعد اليسار، فيذكره ما كان يقوله قبلا توبيخا له وإلزاما للحجة عليه، وهؤلاء حكى اللّه عنهم أولا بأنهم لم يزالوا على كفرهم حتى تأتيهم البينة الموجودة في كتبهم، ثم أخبر اللّه جل شأنه عن الواقع بقوله: {وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} فيكون المعنى أن الذي وقع منهم قبل بعثة الرّسول مخالف لما ادعوه بعد مجيئه، فلا مناقضة بين الآية الأولى القائلة لم يكن الّذين كفروا من الفريقين منفكين عما هم عليه من الكفر حتى يأتيهم الرّسول وحتى في الآية لانتهاء الغاية، فتقضي أنهم انفكوا عن كفرهم عند إتيانه وهو خلاف الواقع ولا في الآية الثانية لأنها تفيد أنه لم يحصل التفرق إلّا بعد مجيئه على ما أوضحناه لك آنفا فلا مناقضة من حيث الظّاهر ولا من حيث المعنى البتة.
قال الواحدي هذه الآية من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا.
وهذا الذي جرينا عليه أحسن الأقوال في هاتين الآيتين، ولا يستقيم النظم الكريم على خلافه، ولا يصح معناه إلّا به، واللّه أعلم، وهو ولي التوفيق قال تعالى: {وَما أمروا} هؤلاء الكفار قبل بعثة الرّسول محمد عليه السلام وبعدها {إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} وحده {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} متبرئين من الشرك والرّياء قلبا وقالبا لسانا ونية.

.مطلب المراد بالإخلاص وأهل الكتابين والمشركين وغزوة بن النّضير وسبب إسكان اليهود في الحجاز:

والمراد بالإخلاص هنا هو أن يأتي المكلف بالشيء الحسن لحسنه، والواجب لوجوبه، وينتهي عن القبيح لقبحه والسّيئ لسوئه، ويفعل كما أمر اللّه رغبة فيه، وينتهي عن كلّ ما نهاه كراهية فيه وطاعة للّه تعالى.
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إن اللّه لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم».
لأن الإسلام اللّساني لا قيمة له، والمعوّل على ما في القلب عند اللّه القائل: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} الآية 38 من سورة ق والقائل أيضا {إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} الآية 22 من سورة الرّعد المارة.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح طويل: «التقوى هاهنا»- كررها ثلاثا- مشيرا إلى صدره الشّريف أي ليست التقوى بشقشقة اللّسان، ولا بالأعمال الظّاهرة، بل بالإخلاص راجع الآية 28 من سورة البقرة تجد بحثا وافيا في التقوى قد لا تجده في غيرها.
ثم وصف اللّه تعالى المخلصين بكونهم {حُنَفاءَ} حالة كونهم في عبادتهم مائلين عن كلّ الأديان الباطلة إلى الدّين الحق دين الإسلام، مؤمنين بجميع الرسل والكتب السّماوية {وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ} المفروضتين عليهم {وَذلِكَ} أي عبادة اللّه والإخلاص فيها ودعمها بإقام الصّلاة وإيتاء الزكاة هو {دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) الملة المستقيمة العادلة القاسطة كما يريده ربّ هذا الدّين السّوي {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ} المشار إليهما أول هذه السورة الّذين انفكوا عن هذا الدّين القويم دين محمد صلى الله عليه وسلم واختلفوا فيه وتفرقوا بعد ما جاءهم به وتلى عليهم كتاب اللّه الذي أنزله عليه في هذه الدّنيا ولم يتبعوه يكونون في الآخرة {فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (6) وانما قدم كفرة أهل الكتاب لأن جنايتهم في الكفر أعظم من المشركين الكافرين في الأصل، إذ لا يعلمون شيئا عن محمد ورسالته، لأن رسولهم إسماعيل تقادم عهده فلم يبلغهم عنه شيء من أمر الدّين، ولم يترك لهم كتابا يعملون به، ولم يرسل لهم رسولا بعده، أما أهل الكتابين فيعلمون ذلك بإخبار رسلهم المتتابعة وبيان كتبهم، حتى أنهم كانوا يستفتحون به قبل بعثته صلى الله عليه وسلم كما أشرنا إليه في الآية 89 من سورة البقرة المارة، وكانوا يقرون نبوته، فلما جاءهم كذبوه وجحدوه وأنكروا ما كانوا يذكرون عنه ويذكّرون به، وبدل أن يؤمنوا به فقد ازدادوا كفرا وصدوا غيرهم عن الإيمان به، عتوا وعنادا ترجيحا لحطام الدّنيا علي نعيم الآخرة.
هذا والمشركون وإن كان جرم اشراكهم أعظم كفرا من كفر أهل الكتاب، لأن الشّرك أعظم أنواع الكفر، إلا أنهم لم يعرفوا ما يعرفهم أهل الكتابين من أمر الرّسول محمد، لأنهم جهلة لما ذكرنا آنفا، وعدم وجود شيء من آثار النّبوة عندهم وكونهم أميين لم يتعلموا، وهذا فقد أذل اللّه هذين الفريقين وأخزاهم في الدّنيا والآخرة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} (7) عند اللّه في الدّنيا والآخرة، ويكون {جَزاؤُهُمْ} في الدنيا الذكر الجميل والسّمعة الحسنة، وفي الآخرة {عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} رضوا به أن يكون ربا لهم ومدبرا لأمورهم، ورضوا عنه بما يقضي عليهم ويدبر لهم {ذلِكَ} الجزاء المبارك الطّيب الحسن يكون {لِمَنْ خَشِيَ عليهم رَبَّهُ} (8) في الدّنيا عن علم وإدراك ويقين، لأن خشية اللّه هي الأساس المتين المانعة عن كل ما لا يرضيه، راجع الآية 28 من سورة فاطر، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال قال النّبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب «إن اللّه أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} السورة قال أبي وسماني يا رسول اللّه؟ قال نعم»، فبكى فرحا وسرورا وخشية وإجلالا للّه تعالى.
وفي رواية البخاري زيادة «وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال نعم»، فذكر أن فاضت عيناه. ففي هذا الحديث بشارة عظيمة في فضل أبي بن كعب رضي اللّه عنه، وإعلام بمعرفته لقراءة كتاب اللّه كما يريده اللّه، وهي منقبة خص بها لم يشاركه فيها أحد من الأصحاب، وإيماء إلى أن هذه السّورة التي اختارها اللّه بأن يقرأها رسوله على أبي جامعة معانيها لأصول وفروع وقواعد تتعلق بأمر الدّين والدّنيا، خطوات جليلات ومهمات عظيمات، على قلة مبانيها.
واعلم أن الحكمة من قراءتها من قبل النّبي صلى الله عليه وسلم على أبي هو في الحقيقة تعليمه ألفاظها وكيفية النّطق بها ووزن كلماتها، ليأخذها النّاس عنه كما تلقاها من حضرة الرّسول لأنه هو أحد القراءة المشهورين الّذين يؤخذ عنهم القرآن وإيذان للناس بلزوم قعله ولو ممن هو دونهم بالفضل، لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، واعلام باحترام حملة القرآن ومعلميه وتعظيمهم.
هذا واللّه أعلم.
وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم.
وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة لم يكن:
مكية أو مدنية.
{تأتيهم البينة} كاف إن رفع ما بعده خبر المبتدأ محذوف وليس بوقف إن رفع بدلا من {البينة} {كتب قيمة} تام وكذا {جاءتهم البينة}.
{ويؤتوا الزكاة} جائز.
{دين القيمة} تام وكذا {شر البرية} و{خير البرية} وقال أبو عمرو فيهما كاف.
{خالدين فيها أبدا} صالح.
{ورضوا عنه} كاف وقال أبو عمرو كأبي حاتم تام.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة البينة:
مكية أو مدنية.
ولا وقف من أوَّلها إلى البينة لاتصال الكلام بعضه ببعض.
فلا يوقف على {الكتاب} ولا على {المشركين} لأنَّ {منفكين} منصوب خبر {يكن} ولا على {منفكين} لأنَّ ما بعده متصل به.
{البيِّنة} كاف إنَّ رفع {رسول} خبر مبتدأ محذوف وليس بوقف إنَّ رفع بدلًا من {البينة} أمَّا بدل اشتمال أو بدل كل من كل على سبيل المبالغة جعل الرسول نفس البينة أو على حذف مضاف أي بينة رسول.
{مطهرة} جائز.
{قيمة} تام. ومثله {البينة} ولا وقف من قوله: {وما أمروا} إلى {الزكاة} فلا يوقف على له {الدين} ولا على {حنفاء} لأنَّ قوله: {ويقيموا الصلاة} موضعه نصب بالعطف على {ليعبدوا} أو حذف النون علامة للنصب فكأنَّه قال إلاَّ ليعبدوا وليقيموا.
{الزكاة} حسن.
{القيمة} تام.
ولا يوقف على {جهنم} لأنَّ {خالدين} حال من الضمير المستكن في الخبر وخبر أن قوله: {في نار جهنم}.
{فيها} حسن وليس بوقف إن جعل {أولئك} خبرًا ثانيًا عند من أجاز تعداد الخبر أو نعتًا لأنَّ النعت والمنعوت كالشيء الواحد وحينئذ يكون حكم على الكفار بأمرين بالخلود في النار وأنهم شر البرية.
{وشر البرية} تام.
ولا يوقف على {وعملوا الصالحات} لأنَّ الجملة بعده خبر إن.
{خير البرية} تام.
{جنات عدن} حسن إن لم يجعل {تجري} خبرًا ثانيًا وإلا فلا وقف.
ومثله في عدم الوقف إن جعل نعتًا ولا يوقف على {الأنهار} لأنَّ {خالدين} حال مما قبله.
{أبدًا} حسن ومثله {ورضوا عنه} وقال أبو عمرو تام.
آخر السورة تام. اهـ.